الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم المنصف بن مراد: هل دخلت تونس غرفة الإنعاش؟

نشر في  08 جويلية 2015  (09:48)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

انتقدت مرارا السيد رئيس الجمهورية الذي لم يكن واعيا بما فيه الكفاية بالمخاطر الارهابيّة والاقتصاديّة، وأحسن دليل على ذلك أنّه لم يعيّن حكومة حرب لمجابهة الأخطار ولم يعيّن رئيس حكومة أو ولاة من الجيش الوطني حتى تنتهي معضلة ضعف الحكومة التي أعلن رئيسها انّه لا ينفّذ لا برنامج النداء ولا برنامج النهضة! فلماذا صوّت التونسيون إذن!؟
وانطلاقا من حبي لهذه الأرض ولهذا الوطن، اعتبر انّ قرار رئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ صائب لكنّه غير كاف.. هو صائب لأنه قدم اشارات عديدة لوضع حدّ لميوعة الحكومة في  تصديها اللارهاب وفي تعاملها مع الاضرابات المدمّرة (وإن كانت بعض المطالب مشروعة) وفي مواقفها من التحرّكات الاجتماعيّة التي يهيئ بعضها لانفصال بعض المدن عن الجمهورية التونسية  وتقديمها لأنصار الشّريعة أو داعش كقربان! انّ أضعف الإيمان هو إعلان حالة الطوارئ حتى ينقذ ما يمكن انقاذه من هذا البلد المهدد بحرب دموية مع الارهاب وتجزئة ترابه.. فبعد تقسيم العراق ثم سوريا ومحاولة تقسيم مصر الى دولتين اثنتين احداهما دينية متشدّدة لكنها حليفة لاسرائيل بصحراء سيناء،  ثم تقسيم ليبيا الى دولتين اثنتين سيأتي دور تونس بعد سنوات قليلة ـ لا قدر الله ـ  لتؤسس الجمهورية التونسية الاسلامية في الجنوب وجمهورية أخرى في ما بقي من البلاد! ثم سيأتي دور الجزائر فتقسّم ـ لا قدر الله ـ الىدويلات، وستنتفع طبعا من هذه الحروب  وبروز دويلات، الشركات النفطية العالمية وكبار قيادات الارهاب والولايات المتحدة ودون أدنى شكّ اسرائيل التي ستصبح في مأمن كامل!

وبعد العملية الارهابية في سوسة التي زارها رئيس الجمهورية مع ابنه حافظ (!) أعلن حالة الطوارئ.. وإذا كان هذا القرار في محله فهناك عوامل لابدّ من توفرها..
أولها حكومة قوية لا تهاب الاّ القانون ولا يحدّ تحرّكها سوى حبّ هذه البلاد.. فرغم بعض الاجراءات الحكوميّة الايجابيّة التي أقرّها السيد الحبيب الصيد سجلنا اخلالات من أهمّها انّ رئيس الحكومة لم يقص من الأمن والدّفاع كل المندسّين في هذين السلكين والذين ثبت تورّطهم أو ضدهم شبهات:
لقد أثبت رئيس الحكومة بإعلانه ان لا وجود لأمن مواز أنه يخشى ردود فعل الأحزاب الدّينية، لكن يكفي ان يطلع على تقرير نقابات الأمن الجمهوري حتى يقتنع ان أنصار المتشدّدين والارهابيين مازالوا يرتعون في وزارات السيادة وسيفشلون ـ ولو نسبيا ـ ايجابيات حالة الطوارئ، ثمّ هل يمكن مجابهة الارهاب والحال أنّ هناك ثغرات في الديوانة والحرس والأمن؟ فهل يعلم السيد الحبيب الصيد انّ كبار المهرّبين وبعض رجال الأعمال الفاسدين يتحكّمون في الحدود ولديهم آلاف المليارات ولذلك لن يسمحوا بهزم الارهاب ثم ان لهم أيضا نفوذا علىبعض قياديي أهم الأحزاب!
انّ اتخاذ قرار اعلان حالة  الطوارئ غير كاف لأنه يحتاج إلى وطنيين من فولاذ وإلى قرارات مؤلمة لاقصاء المندسّين غيرالوطنيين ومحاكمتهم، فالمنظومتان الأمنية والدّفاعية تحتاجان الى وطنيين من حديد والى استراتيجية واضحة وشاملة والىتطوير أجهزتنا الاستعلامية بما في ذلك انتداب تقنيين إضافيين لمراقبة الارهاب الالكتروني! فرغم بطولة أبناء الجيش والأمن والحرس فإنّ تونس بحاجة الى قيادات  شابة ووطنية صلب الأمن والدفاع لاتخشى اي حزب أو أيّا كان من كبار الفاسدين حتّى تنتصر على الارهاب.. ثم لماذا لم يوحد الخطاب الديني داخل المساجد حتى وان اعتبرت بعض الأحزاب الدينية انّ هذا الأمر سلبي بما انها تريد توظيف المساجد وكسب أصوات المصلّين خلال الانتخابات المقبلة أو لحماية بعض الأنصار من دعاة العنف!

فكفانا وجود وزير ضعيف على رأس وزارة الشؤون الدّينية وكفانا استعمال المساجد من قبل المتشدّدين والارهابيين ثم كفانا وجود «جمعيات خيرية» مشبوهة،  لها أموال طائلة تتدخل بفضلها بمناسبة الانتخابات أو لتمويل بعض الحركات العنيفة!
أمّا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي فانّ تونس بحاجة الى انهاء الفوضى العارمة التي تجسدت بإيقاف نشاط مؤسسات عمومية وخاصة من قبل بعض الأشخاص الذين يطالبون بالتّشغيل ويحاولون قطع الطرقات ومتسبّبين في انهيار الاقتصاد... وكفانا ايضا إضرابات مدمّرة  يجب إيجاد مخرج لها وذلك من خلال الحوار مع اتحاد الشغل انطلاقا من امكانات الدولة والمؤسسة، ولا انطلاقا من الحاجيات (مع التذكير بأني ما انفككت أكتب انه يمكن تمويلها بعد فترة من الزمن بفضل اقرار العدالة الجبائيّة).
أما في ما يخصّ الإعلام فلا أظنّ انّ حرية الاعلام ستهدّد أمن تونس لكنّ المطلوب من بعض الإعلاميين في المنابر الحواريّة التلفزيّة، هو عدم استضافة الارهابيين والمدافعين عن التشدد والعنف. انّ الخطر الأكبر يتمثّل في فتح أبواب الإعلام أمام كل من يدعو إلى العنف والتشكيك في وجود الارهاب أو يساند مخربي البلاد.
وبالنسبة الى الذين ندّدوا بقرار رئيس الجمهورية، فمنهم من هو معروف بمساندته لكلّ ما من شأنه أن يساهم في إضعاف الدولة وانتشار العنف حتى لو أدّى الأمر الى تدمير تونس، فالامساك بزمام السلطة والاستئثار بمنافعها أهمّ عندهم من استمرار بلادنا، ومنهم من يساندون العنف والارهاب لأسباب عقائديّة، ومنهم من رأيناهم في مظاهرات الحركات العنيفة في تونس.. أمّا البعض الآخر فيتستّر بحقوق الانسان وينتقد القرار الرئاسي بكل حدّة  مصوّرا نفسه على انه أكبر ديمقراطي في حين انّ معظم مواقفهم دعّمت الانفلات والعنف!
 أما اليسار فقد اعترض على إعلان حالة الطوارئ لأنها تكبّل الحركات الاجتماعية وتمنع الاضرابات، لكن اليسار يتناسى انّ تونس في حالة حرب ضد الارهاب وان بعض الاضرابات ساهمت في تدمير ما بقي من اقتصاد البلاد ومن هيبة الدولة! ولقد كان من الأجدى ان يتفاوض اليسار واتحاد الشغل مع الحكومة لإيجاد الحلول التي تجنبنا المديونيّة واغراق المؤسّسات!
لقد دخلت تونس اليوم غرفة الانعاش وإذا لم تتظافر مجهودات كل الديمقراطيين بمن في ذلك النساء والمجتمع المدني واليسار فستدخل بلادنا مقبرة التاريخ.. ورغم الصعوبات والعمليات الارهابية المجنونة لن تقهر بلادنا وستظلّ كالنسر فوق القمّة الشماء!